جراء القيود الإسرائيلية.. تقرير أممي يكشف عن بطالة وفقر يعمق المعاناة بالضفة الغربية

جراء القيود الإسرائيلية.. تقرير أممي يكشف عن بطالة وفقر يعمق المعاناة بالضفة الغربية
محتجون يطالبون بالعمل

أصدرت منظمة العمل الدولية تقريراً يكشف عن تصاعد حاد في معدلات البطالة في الضفة الغربية، حيث بلغ معدل البطالة في الربع الأول من العام الحالي 31.7 بالمئة بين الرجال، و33.7 بالمئة بين النساء، مما يعكس هشاشة سوق العمل في الضفة وتفاقم أوضاع الأسر الفلسطينية.

ويربط التقرير وفق ما أوردته وكالة الأنباء القطرية اليوم الثلاثاء هذا التفاقم بالأزمة التي فجّرتها الحرب المستمرة في غزة والقيود الأمنية المفروضة على الضفة الغربية، وأوضح أن الناتج المحلي الإجمالي في الأراضي الفلسطينية المحتلة انخفض بنسبة 29 بالمئة بين الربعين الأولين لعامي 2023 و2025، فيما سجلت الضفة وحدها انكماشاً في النشاط الاقتصادي بنسبة 17.1 بالمئة.

كما يُشير التقرير إلى أن الدخل الحقيقي للفرد في الضفة تراجع بأكثر من 20 بالمئة مقارنة بعام 2023، مع توقعات بأن يصل المعدل الكلي للبطالة إلى 38.5 بالمئة، مما سيؤثر على أكثر من 363 ألف فلسطيني، إذا استمر الانهيار الاقتصادي.

الجذور العميقة للأزمة

وبحسب ما جاء في التقرير، ولفهم هذه الأرقام المأساوية، لا بدّ من التوقف عند الأسباب التي أدّت إلى هذا الانهيار:

أولاً، الحرب والقيود الأمنية لعبتا دوراً مدمّراً في تعطيل حركة العمل والاستثمار. فالحصار على غزة، والصدامات على الحواجز في الضفة، وقيود التنقل، جميعها أنهكت القدرة الاقتصادية للأسر الفلسطينية وقطعت صِلات الانتقال للعمل.

ثانيًا، الهياكل الاقتصادية في الضفة تعتمد إلى حد كبير على العمالة الموسمية أو التصدير الزراعي، وهي قطاعات ضعيفة أمام التذبذب الأمني والإقفال المفاجئ للطرق أو الحواجز، مما يجعل كثيراً من العاملين بلا غطاء تأميني أو استقرار.

ثالثًا، بُنى تحتية مدمرة أو مهترئة، ونقص في الاستثمارات في قطاعات الإنتاج والصناعة، وافتقار إلى خطة تنموية مضبوطة تُعزّز العمل المنتج، كل ذلك أسهم في هروب رؤوس الأموال وتراجع فرص التشغيل الرشيدة.

رابعًا، العوامل المؤقتة الناتجة عن النزاع في غزة أثرت بشكل مباشر على الضفة، ليس فقط من خلال تراجع التمويل أو الدعم الدولي بل أيضاً عبر التأثير النفسي والاجتماعي على الأسر التي تُحمّل تبعات الأزمة على أبنائها في سوق العمل.

أشخاص في قلب المعاناة

وراء هذه المؤشرات الاقتصادية تقف مئات الآلاف من الأسر التي فقدت مصادر دخلها في الضفة الغربية، بعضها كان من العمال الزراعيين أو الحرفيين الذين لم يتمكّنوا من الانتقال إلى العمل في المدن، فباتت النساء منهنّ أولى المتضررات.

أم هدى، من قرية قرب نابلس، تقول إنها كانت تعمل بجني الزيتون في مواسمه، لكنها لم تعد قادرة على ذلك بسبب القيود الأمنية وتدابير الإغلاق المتكررة، أما ابنها محمد، في أوائل العشرينات، فيواجه صعوبة في العثور على عمل حرفي لتغطية نفقات الأسرة، وفي كل صباح ينتهي به إلى التجول في الشوارع بحثا عن فرصة عمل لا تأتي.

وفي المخيمات، حيث الفقر يتراكم، يُلاحظ أن الشباب الذين خرجوا لتلقي التعليم الجامعي باتوا يواجهون مصيراً بلا وظيفة، فتكون البطالة في أوساط الخريجين أعلى من المعدلات العامة.

بيانات أممية تؤكد المأساة

تشير نشرة حديثة من منظمة العمل الدولية إلى أن البطالة في الضفة الغربية بلغت حوالي 34.9 بالمئة بين أكتوبر 2023 ونهاية سبتمبر 2024، بينما تراجَع الناتج المحلي الإجمالي بالضفة بنسبة نحو 21.7 بالمئة خلال تلك الفترة، وفي سياق متصل، ذكرت تقديرات أنّ فلسطين خسرت نحو 468 ألف وظيفة منذ اندلاع العنف، بواقع 66 في المئة من سوق العمل في غزة و32 في المئة في الضفة. 

من جهة أخرى، تقرير صدر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) أشار إلى أن الناتج المحلي الإجمالي في الضفة انخفض بنسبة 17 بالمئة في 2024، وأن نصيب الفرد من الإنتاج تراجع بنسبة 18.8 بالمئة، ما يمحو سنوات من التقدّم التنموي. 

أمّا على صعيد الفقر، فإن التقديرات تقول إن معدل الفقر في فلسطين وصل إلى نحو 74.3 بالمئة في 2024، متأثراً بالحرب وتداعياتها على الاقتصاد المحلي، مما يعني أن أكثر من أربعة ملايين فلسطيني سيتعرضون للفقر الشديد، بمن فيهم الآلاف في الضفة الغربية.

كما أن تقرير البنك الدولي يشير إلى أن الفقر في فلسطين كان قد وصل إلى نحو 32.8 في المئة منتصف عام 2023، مع وجود فروقات كبيرة بين الضفة وغزة (حيث كان الفقر في غزة يقارب 64 بالمئة).

ردود المجتمع المدني

من داخل الضفة الغربية، دعت منظمات حقوقية مثل مؤسسات شبابية ولجان الحريات إلى تدخل فوري لإنقاذ ما تبقّى من طاقات العمل، وأكدت أن ارتفاع البطالة بهذا الشكل يُعدّ “جريمة اجتماعية” تتطلب خطة طوارئ تؤمن فرص تشغيل مؤقتة للأسر الفقيرة.

وأثار القطاع الحقوقي انتقادات على صمت بعض الجهات الدولية تجاه ما يحصل، مطالبين بإدخال مشاريع تنموية عاجلة تُركّز على إعادة تشغيل الاقتصاد المحلي، لا فقط الإغاثة المؤقتة.

منظمات دولية كمنظمة العمل الدولية نفسها تدعو إلى دعم عاجل لقطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة في الضفة، وتقديم حوافز لإعادة توظيف العمال، وإعادة تأهيل البنية التحتية بما يخلق فرص عمل حقيقية. بعض الجهات الأممية ترى أن التأخير في التصدي لهذه الأزمة سيحوّلها إلى كارثة اجتماعية يصعب العودة منها.

في أروقة الأمم المتحدة، شددت مفوضية حقوق الإنسان على أن الفقر الشامل والبطالة المزمنة تشكّلان تهديداً لحقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك الحق في العمل والكرامة، ويجب أن يُنظر إليهما بوصفهما أزمات تتطلب تدخلات سياسية واقتصادية على أعلى مستوى.

لم تكتسب أزمة البطالة والفقر الحالية جذورها في السنوات الأخيرة فحسب، بل هي استمرار لمسار اقتصادي وسياسي بدأ منذ الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، الذي أضعف القدرة الفلسطينية على البناء الاقتصادي المستقل وتقيد حرية الانتقال والتجارة. 

كما أن سياسات التحويل الضريبي، واحتجاز عوائد الضرائب التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية، فرضت ضغوطاً مالية كبيرة على موازنات الحكومة وقلّلت قدرتها على الاستثمار في التشغيل والبنى التحتية.

خلال سنوات الانتفاضتين، ومع تراجع السياحة والاستثمارات الخارجية، ارتفع عدد العاطلين وعَمّ الفقر، لكن ما يجري اليوم هو تفجير لهذا التراكم في ظرف مفصلي، حيث انهارت القدرات الاقتصادية تحت وطأة الحرب والقيود الأمنية المكثفة.

تحديات الطريق إلى التعافي

مع معطيات الوضع الراهن، يخشى الاقتصاديون من أن استمرار التدهور سيؤدّي إلى فقدان الأجيال القادمة فرصة العمل الكرامة، وتحول الضفة إلى مجتمع يعيش على المساعدات والأجور الهزيلة.

ورغم وجود مقترحات لمعالجات جزئية كدعم الصناعات الزراعية المحلية، وتحفيز المشاريع الصغيرة، فإن التنفيذ الميداني يتوقف على توفر التمويل، ورفع القيود الإسرائيلية على حركة البضائع والعمال، وتمكين المؤسسات الفلسطينية من إدارة المشاريع التنموية دون عوائق.

كما أن أي بادرة يجب أن تراعي البُعد الاجتماعي، من خلال إشراك الشباب والنساء في خطط التشغيل المحلي، وربط المشاريع التنموية باحتياجات المجتمعات المحلية، لا فقط كحلول تقنية مؤقتة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية